تتسارع وتيرة التصريحات التركية، التي تتناول العلاقة مع سوريا، خصوصاً من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان، الأمر الذي يوحي بإقتراب موعد إنتقال العلاقة بين الجانبين إلى مرحلة جديدة، بعد أن كانت أنقرة من أبرز الداعمين لقوى المعارضة السورية، في حين لا تزال دمشق تلتزم الصمت، في مؤشر على أنها تنتظر نتائج المشاورات الثنائية، التي من المفترض أن تحصل عما قريب في العاصمة العراقية بغداد.

في هذا السياق، تلعب بغداد دوراً كبيراً على مستوى الوساطة بين الجانبين، لكن الدور الأبرز هو ذلك الذي تقوم به موسكو، التي تسعى، منذ سنوات، إلى إبرام صفقة بين الجانبين التركي والسوري، تبدو ظروفها اليوم أفضل من الماضي، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة، في حين يثير هذا الأمر قلق الفصائل السورية المعارضة، بالإضافة إلى "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية.

حول هذا الموضوع، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن مسار التحول التركي في الموقف من دمشق قائم منذ سنوات، بعد أن باتت أنقرة تركز على القضايا التي ترى أنها تهدد أمنها القومي، لا سيما تعاظم نفوذ الأكراد في المناطق السورية الحدودية، من دون تجاهل تداعيات أزمة اللاجئين السوريين في تركيا، بعد أن باتت من أبرز الأوراق التي تستخدمها قوى المعارضة التركية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى الذهاب لموجة من الإجراءات المتشددة، التي تتضمن الترحيل إلى مناطق الشمال السوري.

إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر أن أنقرة اليوم تبحث عن مصالحها، بعيداً عن العلاقات التي كانت لديها مع فصائل المعارضة السورية، سواء السياسية منها أو العسكرية، وهو ما يدفع أردوغان إلى تكرار الحديث بإيجابية عن العلاقة مع دمشق، وصولاً إلى إعلانه أن بلاده تنتظر اتخاذ الرئيس السوري بشار الأسد خطوة لتحسين العلاقات معها، حتى تستجيب "بالشكل المناسب"، مشيراً إلى أنه "سنوجه دعوتنا إلى الأسد، وقد تكون في أي لحظة، ونأمل أن نعيد العلاقات التركية السورية إلى ما كانت عليه في الماضي".

ما تقدم، يقود إلى السؤال عن موقف فصائل المعارضة السورية من هذا المسار، خصوصاً أن الرئيس التركي كان قد لفت إلى أن مسلحي تنظيم "داعش" والتنظيمات المسلحة الكردية، هم فقط من يعارضون التقارب التركي مع النظام السوري وتطبيع العلاقات التركية السورية.

في هذا الإطار، تشير مصادر سورية معارضة إلى أن الموقف من العلاقة مع الحكومة السورية لم يتغير، مؤكدة أن المواقف التركية تبعث على القلق، بالرغم من قناعتها بأن هذا المسار طويل وتعترضه العديد من العراقيل، لكنها في نهاية المطاف ترى أن من حق أنقرة أن تقوم بمصالحها، وتضيف: "الدول ليست جمعية خيرية، وهي دائماً تبحث عن مصالحها، وهذا ما تقوم به تركيا اليوم، بعد التحولات التي كانت حصلت في السنوات الماضية".

بالنسبة إلى هذه المصادر، أنقرة قادرة على دفع العديد من الفصائل المعارضة على الإلتحاق بتوجهاتها، لكنها في المقابل غير قادرة على فرض هذا الأمر على آخرين، وتعتبر أن الأساس هو إنتظار ما ستصل إليه الإتصالات بين الجانبين في المرحلة المقبلة، لأن الذهاب إلى أي موقف مسبق قد لا يكون مفيداً في الوقت الراهن.

على صعيد متصل، قد يكون من الضروري البحث في حقيقة الموقف الأميركي من هذا المسار، على إعتبار أن واشنطن هي من أبرز الجهات التي تعارض التطبيع مع الحكومة السورية، وهي كانت قد أبلغت أنقرة، "ضرورة اتخاذ خطوات لتحسين وضع حقوق الإنسان والوضع الأمني لجميع السوريين"، بحسب متحدث بإسم وزارة الخارجية الأميركية، لكن في المقابل هناك من يؤكد أن واشنطن لا تمارس معارضة حقيقية، بدليل أنها لم تبادر إلى منع التقارب العربي مع دمشق، وبالتالي هي، بحسب المصادر المتابعة، لن تبادر إلى منع الخطوات التي تقوم بها تركيا في هذا المجال.

هذا الواقع، يدفع هذه المصادر إلى الإشارة إلى موقف أحد أبرز حلفاء واشنطن على الساحة السورية، أي "قوات سوريا الديمقراطية"، حيث تتحدث عن حالة من الإرباك، لا سيما أن هذه القوات تعتبر نفسها المستهدف الرئيسي من وراء ذلك، مذكرة بمعادلة كان يتم التداول بها، منذ سنوات، مفادها أن الحالة الكردية ستكون هي الدافع وراء تقارب كل من تركيا وسوريا وإيران والعراق، على إعتبار أن حكومات تلك الدول تعتبر أن هذه الحالة، لا سيما الدعوات الإنفصالية، تمثل تهديداً لنفوذها.

في المحصّلة، ما يمكن التأكيد عليه هو وجود مسار جديد من العلاقات السورية التركية، من المفترض إنتظار الأيام المقبلة لمعرفة إلى أين قد يصل، خصوصاً أن القضايا العالقة بين الجانبين كبيرة، لكن ما يمكن الرهان عليه هو الإندفاعة التركية الكبيرة، التي يعبر عنها أردوغان في مواقفه.